يكمن مفتاح فهم الديناميات السياسية في إيران في إدراك الصراع الأساسي والفصائل المختلفة المشاركة فيه. فمنذ أكثر من أربعة عقود، كان الصراع الرئيسي بين الشعب الإيراني والنظام الحاكم، وهو صراع سيستمر حتى يتم الإطاحة بالحكومة. وينبع هذا الصراع من الطبيعة الاستبدادية للنظام ومن جهود المعارضة المستمرة لمواجهته. فمن جهة، هناك الشعب وحركات المقاومة، ومن جهة أخرى، هناك النظام بقيادة الولي الفقیة، المدعوم بفصائله المختلفة، سواء العلنية أو الخفية. وعلى الرغم من الاختلافات الداخلية بين هذه الفصائل، فإنها تتفق على هدف واحد: الحفاظ على النظام بأي ثمن.
منذ الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية، كان الحفاظ على بقائها هو الأولوية القصوى للنظام. وقد رأى خميني، مؤسس النظام، أن أفضل وسيلة للبقاء هي خلق صراعات خارجية، خاصة في المنطقة. وكان العراق، البلد المجاور ذو الأغلبية الشيعية، هو الهدف الأول للنظام. تذرع خميني بالحرب التي استمرت ثماني سنوات حيث كان محرضها بشعار “تصدير الثورة الإسلامية”، لصرف انتباه الداخل والخارج عن مشكلات النظام الداخلية.
وقد كلفت هذه الحرب الشعب الإيراني ثمناً باهظاً. أرسل خميني موجات من الأطفال إلى حقول الألغام، وأعطى الجنود وعوداً زائفة بالجنة، واستخدم المدنيين كدروع بشرية لتنفيذ العمليات العسكرية. وبرر هذه الحرب المدمرة بشعار “فتح القدس عبر كربلاء!”. وعندما خسر الحرب في نهاية المطاف وأُجبر على قبول وقف إطلاق النار في يوليو 1988، لم يتخلَّ خميني عن استراتيجيته في خلق الأزمات الخارجية. فقد أدرك أن بقاء نظامه يعتمد على استمرار الفوضى.
وكان خميني يعلم منذ البداية أنه إذا لم تنشغل البلاد، التي مرت بثورة مؤخراً، بحرب خارجية، فإن المعارضة الداخلية ستزداد قوة. ومن خلال تقديم الحرب على أنها معركة بين “الإسلام والكفر”، قام بخداع الشعب لدعم سياساته. سمح له ما يسمى بـ “الدفاع المقدس” بتبرير القمع الداخلي الواسع النطاق، بما في ذلك الإعدامات الجماعية للمعارضين السياسيين.
اليوم، يواجه خليفته، خامنئي، وضعاً مشابهاً. فمع تزايد السخط الشعبي، يسعى خامنئي إلى منع انتفاضة من خلال خلق أزمات خارج حدود إيران. ومثل سلفه، يستخدم شعارات مثل “تحرير كربلاء” و”الدفاع عن المزارات المقدسة” لتبرير تدخلات إيران العسكرية في المنطقة. هذه الحروب ليست فقط لحماية المواقع الدينية، بل هي جزء من استراتيجية النظام الأوسع لصرف الانتباه عن ضعفه الداخلي وقمع رغبة الشعب الإيراني في التغيير.
إن ضحايا هذه الصراعات ليسوا فقط إيرانيين، بل يشملون أيضاً شعوباً في جميع أنحاء المنطقة، من فلسطين إلى سوريا، العراق، اليمن، ولبنان. خامنئي على استعداد للتضحية بثروات إيران وأرواح كل من الإيرانيين وسكان المنطقة للحفاظ على سلطته. النظام يستثمر الآن بشكل كبير في برامج الصواريخ والطائرات بدون طيار والبرامج النووية، ولا يتردد في إشعال الصراعات في جميع أنحاء المنطقة لتأجيل سقوطه الذي لا مفر منه.
ويعترف النظام الإيراني بنفسه بأن تصدير الأزمات ضروري لبقائه. ففي الثالث من نوفمبر 2023، أعلن الملا ذوالنوری خلال حديثه على التلفزيون الحكومي: «لو لم يكن لصمود هذه الأمة وتضحيات أبنائها في الدفاع عن المزارات المقدسة، لكانت إيران اليوم غزة أخرى». وأكد أن بقاء النظام يعود إلى الدروس المستفادة من الثورة الإسلامية، مشيراً إلى ولادة حزب الله، وظهور قوات الحشد الشعبي، والصراعات في اليمن وغزة ولبنان كنتائج لهذه الاستراتيجية.
من الواضح أنه طالما استمر هذا النظام في الحكم، فلن يتوانى عن تأجيج الحروب بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة. الحل الوحيد لإنهاء هذا الدوامة من العنف هو الاعتراف ودعم نضال الشعب الإيراني والبديل الديمقراطي الذي يمثله المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. التغيير الديمقراطي في إيران ليس فقط ممكناً، بل محتوماً.